رسمت مؤسسات عالمية 4 سيناريوهات لأسعار النفط في حال تصاعد المـ ـعارك بين إسـ ـرائيل وإيران.
وتشهد سوق النفط حالة من التوتر وسط مخاوف اندلاع حـ ثرب واسعة بين إسرائـ ـيل وإيران هذا الأسبوع.
وتزايدت المخاوف من نشوب حـ ـرب شاملة وانقطاع فعلي لإمدادات النفط من الشرق الأوسط بعد التـ ـهديد الإسـ ـرائيلي بضـ ـرب منـ ـشآت الطاقة الإيرانية التي يبدو أن واشنطن لم تعترض على ذلك، بل قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه يدرس الأمر.
ودفع ذلك أسعار النفط إلى الارتفاع، وإن كان بمعدلات لا ترقى إلى مستوى مخاطر توسع الحـ ـرب، فقد ارتفع خام برنت في نهاية تعاملات الجمعة إلى 78 دولاراً في تداولات عقود ديسمبر/ كانون الثاني.
وعادة ما تقود العقود المستقبلية للخامات البترولية الأسعار الفورية، بينما ارتفع خام غرب تكساس للعقود نفسها إلى 48.74 دولاراً للبرميل.
ويترقب التجار وشركات الوساطة تطور التهـ ـديدات المتبادلة بين تل أبيب وطهران بشأن ضـ ـرب المنشآت النفطية. وكانت طهران قد هددت أمس السبت بأنها سترد بضـ ـرب المنـ ـشآت الإسرائيـ ـلية التي يُعَدّ حقل غاز ليفياثيان أهمها.
وتتركز مخاوف أسواق النفط على احتمال توقف النفط الإيراني وإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي الذي تمرّ من خلاله 17.5 مليون برميل من النفط يومياً. كذلك تدور المخاوف حول احتمال تكثيف الحوثيين لهجـ ـوماتهم على منـ ـشآت النفط في المنطقة، خصوصاً أنهم قريبون من منـ ـشآت النفط بدول الخليج الغنية بالنفط.
وبينما ينتظر العالم الرد الإسرائـ ـيلي على الهـ ـجوم الصـ ـاروخي الإيراني على إسرائـ ـيل في وقت مبكر من هذا الأسبوع، تشير التقارير إلى أن إسرائـ ـيل قد تسـ ـتهدف بعض البنية التحتية للطاقة والنفط الإيرانية.
وخلافاً لما حدث في حالات اشتعال مخاطر جيوسـ ـياسية مماثلة في الماضي القريب، ظلت أسعار النفط منخفضة نسبياً على مدار العام الذي أعقب هجـ ـوم المـ ـقاومة الفلسطينية على إسرائـ ـيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والذي أشعل شرارة الأزمة الحالية في الشرق الأوسط، وذلك بسبب أزمة النمو بالاقتصاد الصيني، وضعف النمو الاقتصادي في منطقة اليورو، ولأن أوبك، التي تخفض إنتاج النفط من أجل “استقرار” السوق، لديها ما يقدر بنحو 5 ملايين برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية الفائضة، وفق تقرير بنشرة “أويل برايس” اليوم الأحد.
لكن يرى محللون أن هذه الطاقة الفائضة قد تصبح عديمة الجدوى في حال اشتعال حـ ـرب شاملة بين إسـ ـرائيل وإيران، تنضم إليها جماعة الحـ ـوثي في اليمن القريبة من السعودية والإمارات والجماعات الشيعية في العراق ولبنان وسورية، أو حتى إغلاق مضيق هرمز.
وسط هذا المشهد الملتهب الذي يهدد أسواق الطاقة العالمية، تبحث دراسة جديدة صادرة عن “بلومبيرغ إنتليجنس ـ BI ” و”بلومبيرغ إيكونومكس ـ BE”، سيناريوهات الطاقة في الشرق الأوسط، بالتفصيل في أربعة سيناريوهات واسعة النطاق ومدى تأثيرها المحتمل بأسعار النفط والاقتصاد العالمي والتضخم، بداية من وقف إطـ ـلاق الـنـ ـار المستمر إلى صـ ـراع محدود، وحـ ـرب بالوكالة متعددة الجبـ ـهات، وحـ ـرب أكبر تشمل الصراع المباشر بين إسرائـ ـيل وإيران.
وقال زياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبيرغ إيكونوميكس والمؤلف المشارك للتقرير: “توقعاتنا الأساسية أن الحـ ـرب ستظل محصورة إلى حد كبير، كما كانت منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مع تأثير محدود في الاقتصاد العالمي”. لكنه يقول إن هذا الحال يمكن أن يتغير.
وقد يؤدي سيناريو المخاطر الذي يشتمل على صراع طويل الأمد إلى ركود عالمي يقتطع نحو تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل وتراجع المعنويات، ما يؤدي إلى انخفاض النمو العالمي إلى 1.7%.
وبعيداً عن الأزمة المالية والوباء، سيكون هذا أسوأ نموّ للاقتصاد العالمي منذ عام 1982، عندما رفع بنك الاحتياط الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي”، أسعار الفائدة لاحتواء التضخم الناتج من الصدمة النفطية في السبعينيات.
وتقول الدراسة: “لا يزال الاقتصاد العالمي يتعافى من الدورة التضخمية التي تفاقمت بسبب الغـ ـزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، وقد يؤدي صراع آخر في منطقة بالغة الأهمية لإنتاج الطاقة، مثل الشرق الأوسط، إلى زيادة التضخم كثيراً إلى ما يقرب من 7% هذا العام. وبالتالي، سيكون هـ ـدف بنك الاحتياط الفيدرالي لمعدل التضخم البالغ 2% بعيد المنال، وسيشكل البنزين الأكثر تكلفة عقبة أمام حملة إعادة انتخاب نائبة الرئيس جو بايدن في انتخابات الرئاسة”.
وترى بلومبيرغ أن الاضطراب الكبير في الإنتاج في المنطقة، التي تنتج ما يقرب من 20% من النفط العالمي، أو في مرور شحنات النفط في حال إغلاق مضيق هرمز، يمكن أن يحول سياسة “أوبك+” إلى الحد الأقصى من الإنتاج، وفقًا لـ “بلومبيرغ إنتليجنس”. وفي هذه الحالة، ستصبح الطاقة الإنتاجية الفائضة في السعودية والإمارات والكويت “غير ذات جدوى” إذا أُغلِق المضيق.
من جهته، يقول صالح يلماز، كبير محللي النفط في بلومبيرغ إنتليجنس، والمؤلف المشارك للتقرير: “سيستفيد أعضاء أوبك+ الذين لديهم طاقة فائضة، مثل روسيا وكازاخستان، حيث سيكون لديهم مجال لزيادة الإنتاج إلى أقصى حد بأسعار أعلى للتعويض عن انخفاض الإنتاج من النفط”. وبالتالي، من المرجح أن تضطر الولايات المتحدة إلى استغلال احتياطي النفط الاستراتيجي لتعويض بعض البراميل المفقودة بسبب الحـ ـرب في منطقة الشرق الأوسط وتهدئة الأسعار.
وكان لدى الاحتياطي الاستراتيجي النفطي الأمريكي 346.8 مليون برميل من النفط المخزن، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ويعد احتياطي النفط الاستراتيجي أكبر مصدر لإمدادات الطوارئ من النفط الخام في العالم، وهو يُخزَّن في كهوف ملحية تحت الأرض في لويزيانا وتكساس. ويعد الاحتياطي الاستراتيجي للنفط أحد الأصول المهمة لأمن الطاقة والذي قام بحماية الاقتصاد خلال أوقات الأزمات والحروب.
بالإضافة إلى ذلك، يقول التقرير، يمكن أن تؤدي الحـ ـرب المباشرة في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال بنسبة 35% على الأقل إذا أدى الصراع في منطقة الخليج إلى تعطيل تدفقات الغاز المسال، خصوصاً أن قطر ترسل أكثر من 10 مليارات قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال عبر مضيق هرمز يومياً.
الحـ ـرب تهزّ الأسواق وتقلق المستثمرين
وتشمل سيناريوهات الصراع الأخرى الحـ ـرب بالوكالة التي قد ترفع سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل. وتقصد الدراسة بالحـ ـرب بالوكالة، تصادم إيران وإسرائـ ـيل من خلال وكلاء طهران في لبنان وسورية واليمن، ورغم أنها أقل تدميراً من الحـ ـرب المباشرة، لكنها قد تكلف الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 300 مليار دولار، مع ارتفاع الأسعار نحو 10 دولارات للبرميل وتراجع ثقة المستثمرين. وقد يتسبب هذا في تراجع النمو العالمي بنسبة 0.3% خلال العام الجاري 2024، وهو ما سيكون أضعف نمو في ثلاثة عقود.
أما السيناريو الثالث، فهو الحـ ـرب المحصورة. ووفق الدراسة، من الممكن أن يكون لسيناريو الحـ ـرب المحصورة، الذي يتميز بـ ـغارات جوية إسرائـ ـيلية محدودة على غزة وهجـ ـمات حماس الصـ ـاروخية، تأثير ضعيف في الاقتصاد العالمي.
يذكر أن أسعار النفط تجاهلت الضـ ـربات التي شنتها إيران على إسرائـ ـيل في 13 إبريل/نيسان، ما يشير إلى أن الأسواق ترى أن تمديد الحـ ـرب المحدودة هو السيناريو الأكثر ترجيحاً. وترى الدراسة أن المخاطر على النفط تميل نحو الاتجاه الصعودي مع الطلب الصحي وقبضة أوبك+ المحكمة على العرض من خلفية أساسية قوية.
أما في السيناريو الرابع والأخير، وهو وقف إطـ ـلاق النـ ـار، فمن المرجح أن يظل تأثير الوقف المحتمل في أسعار النفط محدوداً، حيث تبدو علاوة المخاطر الجيوسياسية الحالية مستمرة. وفي استطلاع حديث لبلومبيرغ إنتليجنس، قال 92% من 143 مشاركاً إن هناك علاوة أخطار جيوسيـ ـاسية أقل من 5 دولارات للبرميل مرتبطة بالأسعار في السوق.
وكان لهجـ ـمات البحر الأحمر تأثير محدود في أسعار النفط حتى الآن، وتمتلك أوبك قدراً كبيراً من الطاقة الفائضة (حوالى 6.8 ملايين برميل يومياً)، وفقاً لبلومبيرغ، ولكن العديد من مؤسسات الطاقة تضع الطاقة الفائضة أقل من ذلك بكثير وبنحو 3.5 ملايين برميل يومياً. وعلاوة على ذلك، من المرجَّح ألا تتغير سياسة إنتاج أوبك+ في سيناريوهات وقف إطـ ـلاق النـ ـار إذا ظل التأثير في الأسعار محدوداً.