تفاجئ العراقيون خلال الأيام الماضية، من "غزو" أعداد هائلة من البعوض لبيوتهم تزامناً مع بداية ارتفاع درجات الحرارة منذ بداية شهر نيسان/ أبريل الجاري.
وشكلت أسراب البعوض التي هاجمت بيوت المواطنين في عموم العراق، مصدر إزعاج كبير لهم بشكل بات يقض مضاجعهم، خاصة وأن خطورة هذه الحشرات تكمن في كونها تقتات على الدم البشري، ما يمكن أن يتسبب في نقل الأمراض في ظل انتشار الفيروسات، خصوصاً مع النقص في خدمات النظافة ورفع النفايات.انعدام الخدمات البلدية
وفي هذا الصدد تقول المواطنة أم شروق من قضاء السنية في محافظة الديوانية، إن "البعوض وما يسمى بالعراقي (البك) انتشر بشكل كبير خاصة في المناطق التي لا تصل إليها أعمال البلدية، حيث يدخل إلى البيوت بكثرة، ما اضطرنا إلى إغلاق النوافذ رغم ارتفاع درجات الحرارة، تجنباً لتسلل هذه الحشرات الضارة".
وتطالب خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، الجهات المعنية بـ"ضرورة شن حملات رش المبيدات بشكل مستمر للقضاء على البعوض كما كان يحصل في السابق بتجوال سيارات في الأحياء السكنية تحمل جهازاً خاصاً لرش الدخان لمواجهة هذه الحشرات".
وتفاقمت في الآونة الأخيرة ظاهرة انتشار البعوض بشكل مقلق للغاية، حتى باتت تنغص حياة المواطنين داخل سكنهم بحرمانهم من النوم والراحة، من خلال لسعاتها التي يبقى الرضع والأطفال الصغار والشيوخ ضحايا لها.
وسائل حماية
ويلجأ بعض المواطنين إلى شراء ما يسمى محلياً، بـ"كُلّة" أو "الناموسية" بهدف الوقاية من البعوض، فيما يشتري آخرون، أجهزة عبارة عن مصدر للضوء يحمل أشعة قوية لونها بنفسجي، لتجميع البعوض حولها، ومن ثم تصطاد تلك الأجهزة البعوض حال لمسه أسلاكها.
من جهته، يقول الفلاح أبو ماهر من ناحية الحرية في محافظة النجف، إن "البعوض عادة ما ينتشر خلال هذه الفترة من كل عام، لكن في هذه السنة يلاحظ أن انتشار البعوض أكثر".
ويدعو الفلاح في حديث لوكالة شفق نيوز، وزارة الزراعة والجهات المعنية إلى "التحرك العاجل لرش المبيدات وحماية المواطنين من لسعات هذه الحشرات السامة والضارة".
وتقوم وزارة الزراعة، بحملات مكثفة لمواجهة الحشرات بشكل عام، على مدار الموسم، فيما تقوم وزارة الصحة بالتعاون مع وزارات أخرى، لتنفيذ بعض الحملات لمكافحة البعوض والحشرات، داخل المدن، باستخدام مبيدات مختلفة.
وتشير الأبحاث إلى أن إناث البعوض تهاجم الانسان لتتغذى على دمه، وتسبب ألماً وقت ثقب الجلد، وتمتص الدم لیلاً حیث تكون نشطة، وأحياناً نهاراً.
وتحتاج الأنثى للدم الذي يمدها بالطاقة والغذاء اللازم لتكوين البيوض داخلها، أما ذكر البعوض فلا يتغذى على الدم، ولكنه يتغذى على رحيق الأزهار وعصارة النباتات.
وكانت دراسة نشرتها مجلة Nature العلمية عام 2022، كشفت أن البعوض ينجذب إلى بعض النقاط الملونة لكنه يتجاهل ألواناً أخرى.
ووجد العلماء أن معظم البعوض ينجذب إلى الأحمر والبرتقالي والأسود والسماوي بينما يتجاهل الأخضر والأرجواني والأزرق والأبيض، فعندما أدخل باحث يده في غرفة من البعوض مرتدياً قفازاً أخضر، تجاهلته هذه الحشرات.
ومع ذلك، قد لا يكفي تجنب ألوان معينة لتجنب عضات البعوض. يقول الباحثون إن جلد الإنسان يبعث "إشارة" حمراء وبرتقالية زاهية للبعوض، ما يجعل من الصعب الاختباء من هذه الحشرات الطائرة تماماً.
أسباب الانتشار
ويعزو الخبير في الاستراتيجيات والسياسات المائية، رمضان حمزة، انتشار البعوض إلى "كثرة وجود المناطق الملوثة بالنفايات والمياه الراكدة والآسنة، فيما ساهمت السيول والفيضانات الأخيرة التي شهدتها البلاد بحمل الملوثات إلى مناطق أخرى لتكون بيئة مناسبة لتكاثر البعوض التي تضر بصحة الإنسان وتربة الحيوانات المائية".
ويشدد حمزة خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، على أهمية "البدء بكري الأنهار وتنظيف مجاري الأنهر ومنع المكبات قرب حواضن المدن، ورش المبيدات القاتلة لليرقات قبل أن تنمو وتكبر وتجتاح المدن، لأن البعوض خطير وما يزال مرض الملاريا في أفريقيا إحدى الأمراض القاتلة التي تفتك بأرواحهم".
بدوره، يقول مدير المستشفى البيطري في بابل، أحمد فاضل فرهود، إن "البعوض ينشط عند اعتدال درجات الحرارة خاصة في فصلي الربيع والخريف، ما يسبب ازعاجاً للكثير من العوائل خاصة في ظل الأمراض التي ينقلها، وأهم مرض عرف عبر التاريخ بانتقاله عبر البعوض هو الملاريا".
ويؤكد فرهود في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "وزارة الصحة العراقية أكدت عدم وجود سريان محلي لمرض الملاريا، أي لا يوجد العامل الناقل الذي هو البعوض، والحالات السبعة التي تم الإبلاغ عنها عام 2017 كانت قادمة من الخارج، لذلك لا يوجد سريان محلي لهذا المرض، وعلى المواطنين الاطمئنان فيما يخص هذا الجانب".
ومن الأمراض الأخرى التي ينقلها البعوض - بحسب فرهود - هي حمى الضنك والحمى الصفراء وغيرها الكثير من الأمراض التي تنقل الطفيليات الدموية التي ينقلها البعوض، وبعضها مسجل في العراق مثل حمى ثلاثة أيام والتهاب الجلد العقدي وهي مسيطر عليها.
"أما الأمراض الأخرى فهي عندما تسجل في العراق تكون وافدة من الخارج نتيجة تواجد المواطنين في مناطق ودول يوجد بها هذا النوع من البعوض والمرض"، وفق فرهود، مبيناً أن "الازعاج والتحسس الجلدي الذي تسببه لدغة البعوض لا يعتبر مرضاً بحد ذاته بل نوع هو من أنواع التحسس".
وعن مكافحة البعوض، يوضح فرهود أنها "تتم عن طريق استخدام المبيدات التي معظمها على شكل باودر وتُحلل بالماء وترش خارج البيت في الحديقة والحائط والممرات، حيث إن البعوض لا يستطيع قطع مسافات طويلة ليدخل إلى البيوت، بل لديه محطات عديدة وفي حال رش المبيدات على المناطق المحتملة لوقوفه عليها سوف يقتل قبل أن يدخل إلى البيوت".
ويشير فرهود في ختام حديثه إلى أن "قسم الصحة العامة في دائرة صحة بابل يستخدم هذه المبيدات بحملاته في داخل الأحياء السكنية، كما يمكن شراء المبيدات من المكاتب الزراعية للقضاء على هذه الحشرات الضارة".